رغم إقامته في المهجر الأوروبي، يحرص الموسيقار المغربي عزوز الحوري على التفاعل الخلاق مع ثقافة بلاده وفنونها، من خلال الإبداع والبحث والنشر، حيث أنجز العديد من الأعمال الموسيقية وأصدر كتبا مختصة، ومثّـل الموسيقى المغربية في مجموعة من اللقاءات الأوروبية، آخرها اللقاء العالمي للمؤلفين غير الأوروبيين في برشلونة، بالإضافة إلى ذلك، هو عضو عدة جمعيات ثقافية وموسيقية، ويشرف على ورشة الموسيقى المغربية منذ 1999، كما كان له الفضل في إحداث مهرجان آلة العود في بروكسل سنة 2014، وأُسندتْ له مهمة مستشار موسيقي في جامعات بلجيكية؛ علاوة على منحه لقب «عميد الموسيقيين المغاربة في بلجيكا»، وحصوله على تكريم من طرف أفراد الجالية المغربية وبعض ممثلي المجتمع العربي في بلجيكا سنة 2015.
خلال زيارته للمغرب، في الآونة الأخيرة، التقته «القدس العربي»، فأجرت معه الحوار التالي:
□ من أين جاء هذا الاهتمام لديك بالموسيقى؟ وممن تأثرت في هذا المجال؟
■ إن الفنان الحقيقي يولد فنانا، وهي هبة ربانية لا دخل للإنسان فيها، وموهبة عزوز الحوري تتفرع بين العزف على آلة العود والتلحين ثم البحث العلمي الأكاديمي. ظهر اهتمامي بالموسيقى منذ الصغر، ولكن الفضل في كل هذا يعود لوالدتي، رحمة الله عليها، التي سايرت ميولاتي الفنية رغم معارضة والدي وبعض أفراد الأسرة. أما عن تأثري في مجال العزف على آلة العود، فقد تأثرت بالعديد من العازفين المغاربة والمشارقة، ولكن أقربهم إليّ فريد الأطرش وسعيد الشرايبي.
على مستوى اللحن، تأثرت بالملحن الرائد عبد القادر الراشدي والرائد عبد الرحيم السقاط أيقونة اللحن المغربي، ومحمد بن عبد السلام الذي آمن بموهبتي في اللحن وشجعني على متابعة دراستي الفنية لصقل موهبتي. أما مجال البحث العلمي والبيداغوجي فقد تأثرت بالباحث المغربي يونس الشامي والباحث أحمد عيدون. أما على المستوى الأكاديمي، فقد تأثرت بالعلامة والأديب عباس الجراري أطال الله عمره.
□ ماذا تشكل آلة العود بالنسبة لك؟
■ إنها الأنيس والرفيق وعالمي المثالي الذي يعطي لوجودي معنى.
*كيف تقيم واقع البحث والتكوين الموسيقي في المغرب؟
□ بكل صراحة، هناك تقاعس كبير من لدن أساتذة المعاهد الموسيقية وعدم خلق حوافز للطلبة من أجل خوض تجربة البحث العلمي. وقد اقترحت في ما مضى على وزارة الثقافة ـ بصفتها الجهة الوصية ـ بأن تُلزم أي طالب في المعاهد الموسيقية في نهاية تكوينه تقديم خلاصة ودراسة ميدانية في تخصصه للحصول على شهادة التخرج، وبذلك سنحصل على مكتبة كبيرة من المراجع. أما طلاب المعاهد الموسيقية في مادة «الصولفيج» فعليهم تدوين التراث الموسيقي المغربي.
■ وما هي إضافاتك في هذا المجال؟
□ منذ سنوات دراستي في المعهد الموسيقي مولاي رشيد والمعهد الوطني للموسيقى والرقص، كنت أحلم بوضع طريقة مغربية لتكوين جيل من الموسيقيين المتمرسين، لأن زمن المحاولات الفردية قد ولى. سنة 2012، ألّـفتُ منهجية لتعليم أبناء الجالية المغربية العزف على آلة العود، باللغة الفرنسية، بعنوان «أستاذ عود» الجزء الأول، وسنة 2015 انتهيت من مؤلف نظري تحت عنوان «مقامات» باللغة الفرنسية موجه لأبناء الجالية المغربية والناطقين باللغة الفرنسية. أما حاليا، فأسهر على كتابة مؤلف حول الموسيقى المغربية تحت عنوان «صناع الطرب المغربي»، وهو مؤلف توثيقي وعلمي يختص بدراسة الموسيقى المغربية ودراسة روادها، مع دراسة تحليلية للمدارس اللحنية المغربية والتعريف بصناع الطرب المغربي.
■ ما رأيك في المستويات الموسيقية واللحنية للأغاني الشبابية الحالية في المغرب؟
□ لكل فترة زمنية خصوصياتها، ولكن هناك ضوابط أخلاقية ومهنية للحقل الفني المغربي. لست راضيا على المستوى الفني الموسيقي في المغرب، كان الأجدر بالوزارة الوصية أن تضع الهوية الثقافية المغربية في الأولوية واحترام خصوصية المجتمع المغربي العربي الإسلامي، فمن خلال هذا المنبر أناشد كل من يهمهم الأمر باستدراك ما فاتهم، والحفاظ على مكاسب الموسيقى المغربية التي ضحّى من أجلها جيل الرواد للحفاظ على تراثنا المغربي الفني الزاهر. كما أطالب نقابات الموسيقيين والأحزاب المغربية والمعاهد الموسيقية أن يقفوا ضد هذه المهزلة التي تمس مقدسا من مقدسات بلدي المغرب، ألا وهي الهوية الثقافية المغربية.
■ ماذا أضافت لك الهجرة فنيا وإبداعيا وإنسانيا؟
□ إنسانيا، الهجرة مدرسة اجتماعية يحتك فيها المرء بتجارب أناس آخرين، رغم مرارة العيش والبعد عن بلادي المغرب. أما فنيا، فقد حملت على عاتقي التعريف بموروثي الثقافي المغربي لأكثر من 20 سنة بمحاولة فردية، من دون أي مساعدة من أي جهة رسمية، رغم الدعم المالي والمعنوي الموجه لمغاربة العالم. من حيث الإبداع، أسهر على تكوين أبناء الجالية المغربية في بلجيكا في المجال الموسيقى وإعداد محاضرات وورشات موسيقية لغير المغاربة للتعريف بالتراث الموسيقي المغربي.
■ جديدك الفني؟
□ رغم أن زمن الموسيقى المغربية قد ولّى، ولكني أؤمن بأن الدوام للأصلح، فقد لحنت 5 قطع مغربية عاطفية من تأليف محمد الحارثي والمختار التزنيتي والعياشي بوسترة، كما لحنت أغنيتين وطنيتين الأولى تتغنى بمدينة السمارة الغالية، والثانية تتغنى بأمجاد ملكنا الهمام محمد السادس.
■ كلمة أخيرة؟
□ أوجه نداء إلى السفراء وقناصل المغرب والمجلس الأعلى لمغاربة العالم بأن يمدوا لنا يد المساعدة للظهور بوجه أحسن في جل المنتديات واللقاءات الدولية خدمة لأفراد جاليتنا المغربية ومساعدتنا على الإبداع وتحدي كل الصعوبات التي تقف حاجزا أمام المبدع المغربي من مغاربة العالم.